-A +A
صالح الفهيد
لا زال صوت المعلق الشهير لمباريات المصارعة الحرّة إبراهيم الراشد، رحمه الله، يرن في ذاكرة أجيال من السعوديين الذين تعرفوا على هذه اللعبة وأحبوها وتابعوها بشغف بفضل التعليق المتفرد الذي كان يقدمه الراشد بأسلوب مشوق ومثير وحماسي، ولا زلت أتذكر منذ أكثر من 3 عقود كيف يتحلق المشاهدون من كل الجنسيات حول شاشات التلفزيون في المقاهي والمنازل وهم يتفاعلون بالأصوات والحركات مع ضربات المتصارعين واستعراضاتهم الجسدية المذهلة.

ورغم أنني منذ البداية كنت على يقين أن هذه اللعبة محظ «تمثيل» متفق عليه بين المتصارعين، وأن ما يقدمونه لا يمت للتنافس الرياضي بأية صلة، إلا أنني كنت معجباً بقدرة الراحل إبراهيم الراشد الفذة على إقناع المشاهدين بأن ما يشاهدونه من «تمثيل» هي مباريات تنافسية حقيقية، وإقناعهم أن هذا المصارع الذي تلقى سيلاً هائلاً من الضربات الموجعة في كل مكان من جسده طيلة جولات المباراة وبينما هو يترنح ويوشك على الهلاك وبالكاد يتنفس يستطيع فجأة وبقدرة قادر أن ينهض وينتفض ويبدأ في ضرب خصمه حتى يسقطه ويفوز خلال دقيقة بالمباراة بمواكبة حماسية تقشعر لها الأبدان من صوت إبراهيم الراشد المجلجل.


تذكرت هذا الملمح وأنا أتابع ليلة أول أمس «أعظم رويال رامبل» في ملعب الجوهرة بجدة، وأيقنت أن السعوديين يعودون لحياتهم الطبيعية بعد سنوات التصحر التي طالت كل شيء في حياتهم، فقد أعاد هذا الحدث الكبير شيئاً من ذاكرتهم، وما حضور نحو 45 ألف متفرج إلا دليل على تعطش الناس لهذا النوع من الترفيه الذي حرموا منه طيلة عقود.

وبينما كان الحكم يدق بيده على أرض الحلبة 3 ضربات معلناً فوز أحد المتصارعين على منافسه نهض معالي المستشار تركي آل الشيخ بحماسة من مقعده وضرب بيده على الطاولة 3 ضربات قوية معلناً انتصاراً جديداً لهيئة الرياضة يضاف لانتصاراتها وإنجازاتها المتراكمة في إقامة وتنظيم هذا النوع من البطولات، رغم كل محاولات إيقافها ومنعها وإفشالها وتشويهها.

ومثلما فرحنا كمتابعين بنجاح بطولة «البلوت» وماراثون الجري فرحنا بنجاح إقامة بطولة المصارعة الحرة في المملكة، ولا يمكن بأي حال أن لا نشيد بالجهود الموفقة والرائعة والمثمرة لمعالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي برهن أن لا شيء مستحيلاً على السعودية والسعوديين، وأن المملكة قادرة على إقامة واستضافة أي بطولة أو مناسبة أو مهرجان وبقدر كبير من الإتقان والنجاح، وهذا ما جعل البعض يطالب بأن تتقدم السعودية لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2030، ويبدو أن هذا ليس بعيداً عن تفكير معالي المستشار.

بقي القول إنني تمنيت لو أن الراحل إبراهيم الراشد، الذي كان سبباً في شعبية المصارعة الحرة في السعودية، حظي بتكريم رمزي هو بلا شك جدير به.